تراث من نور الشبكة الخامسة الحلقة 4: مدرسة الأقمار الثلاثة \ غبريال اندريا ونقولا سابا
ฝัง
- เผยแพร่เมื่อ 10 ก.พ. 2025
- مدرسةُ الأقمار الثلاثة هي أولُّ مدرسة أنشأها الروم في بيروت بعد ألف ومئتَي سنة من دمار مدرسة الحقوق التي كانت لؤلؤةَ العالم الرومي في مدينة بيروت. تأسّست المدرسةُ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر حينما كانت بيروت مدينةً صغيرةً محاطةً بالأسوار، يسكنُ الرومُ داخلها في أحياءٍ ضيقة ويفتقرون للعلم. يقسمُ تاريخ هذه المدرسة الى سبع حقبات، تبدأ الأولى بتأسيسِها بعد ظهورِ بذور الإنشقاق الكاثوليكي في سنة 1724 بعد رقاد البطريرك أثناسيوس الرابع (دباس)، الإنشقاق الذي وصلَ سريعاً الى بيروت وأدّى الى صراعٍ على كاتدرائية القديس جاورجيوس التي قُسِّمَت الى جزأين. إستولى الروم الكاثوليك في سنة 1750 على كامل الكاتدرائية، لكنَّ الأرثوذكس تمكّنوا من إستعادتِها بفضلِ وجيهٍ محلي هو يونس أبو عسكر الجبيلي. نقلت أبرشيةُ بيروت، برعاية متروبوليتها يوانيكوس، مطبعةَ القديس جاورجيوس في سنة 1751 من حلب حيث كانت قد تأسست في سنة 1706، وجُعِلًت، بجوارِها، مكتبةٌ والمدرسةُ التي دًعيت لاحقاً مدرسة الأقمار الثلاثة. لكنَّ الزلزال الكبير الذي أصابَ بيروت في سنة 1759 دمّر الكاتدرائية والمدرسة، فأعيدَ بناء الأخيرة بشكلٍ بدائي.
أمتدَّت هذه الحقبة الأولى حتى سنة 1831 وبقيت المدرسة بجوار الكاتدرائية حتى القرن التاسع عشر، وكانت تُدعى مدرسة الروم الكبرى. تأسَّست المدرسة الحديثة في سنة 1835 بفضلِ الأسقف بنيامين والبطريرك الأنطاكي ميثوذيوس، وكانت تعلّم عدة لغات بالإضافة الى العلوم والتاريخ والجغرافيا. وُجِد فيها، منذ بدايتِها، 89 تلميذاً، وهو عددٌ كبيرٌ إذا ما قورن بأعداد التلاميذ في الكتاتيب القديمة، القائمة حينها في بيروت، والتي كانت تضمُّ خمسة الى عشرة طلابٍ على أوسع تقدير. وطلب البطريرك الأنطاكي ميثوذيوس المساعدة من دولة روسيا، فسمح ذلك لأبرشية بيروت بتوسيع مدرسة الأقمار الثلاثة في سنة 1843 التي أصبحت تضمُّ أكثر من 200 تلميذ.
لكنَّ الوضعَ تبدّلَ بعد خمس سنوات، وبالتحديد في سنة 1840، تاريخ الأحداث الأليمة والفتن التي عصفَت ببيروت ولبنان. ارتأى حينذاك عددٌ من أعيان الروم في بيروت ومتموليها الانتقالَ الى منطقة الغرب في الجبل، فتبيّن لهم بأنَّ الحركات التبشيرية البروتستانتية والكاثوليكية راحت تنتشرُ هناك وتؤسِّس المدارس العديدة التي جمعت هناك حوالي 800 تلميذ. دفعَت هذه الوقائعُ مطرانَ بيروت ايروثيوس لنقل المدرسة والمستشفى البيروتي، في سنة 1852، الى سوق الغرب وتأسيسِها بشكل بُنيَوي أصحّ لتقف سدّاً بوجه هذه الارساليات. وبُنيَ الى جانب المدرسة والمستشفى دير القديس جاورجيوس. إكتسبت المدرسة هناك اسمَها "مدرسة الثلاث أقمار". وبقيت في سوق الغرب حتى سنة 1866.
لماذا حملَت هذه المدرسةُ إسم الأقمار الثلاثة؟ إنهم القديسون باسيليوس الكبير وغريغوريوس الثيولوغوس (اللاهوتي) ويوحنا خريسوستوموس (فم الذهب) الذين تعتمدُهم الكنيسة الرومية الأرثوذكسية، في العالم كلِّه، كشفعاءِ التعليم والتربية.
في الحقبة الرابعة من تاريخ المدرسة (1867 - 1911)، عادَت المؤسسةُ الى بيروت في سنة 1866، بقرارٍ من راعي الأبرشية، وذلك بعد إنتهاء الحرب الأهلية بين الموارنة والدروز في عام 1860 والتي دارت في جبل لبنان، وإرتُؤِيَ لها أن تواجهَ نشوءَ المدارس الإنجيلية الأميركية والمدارس الكاثوليكية . تأسست الجمعية الخيرية الأرثوذكسية (سنة 1869) التي بدأت بإنشاء المدارس، فتبِعت كلُّها لمدرسةِ الأقمار الثلاثة الأولى التي إنتقلت الى حيّ الرميل، بجوار مستشفى الروم، وتشاركت معه في بعض الأحيان المباني نفسها.
كانت مدرسةُ الأقمار الثلاثة من أهمّ مدارس بيروت في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وكان طلاّبُها من مختلف طوائف بيروت، ومنهم بعض مؤسسي جمعية المقاصد الإسلامية (أحمد دريان) ورؤساء بلدية بيروت من المسلمين السنّة (محمد عبدالله بيهم وعبد القادر الدنا) وبعض الوزراء والنواب والكتّاب والشعراء ورجال الفكر ومن أبرزهم الشيخ يوسف الأسير والأخت لبيبه جهشان والأستاذ إلياس حبالين والشيخ خطار الدحداح وشبلي الملاط ونعمه يافث وأسعد سرسق وشاهين عطيه الذين علّموا في المدرسة. ولمعَ بعضُهم في حركات النهضة التي عُرِفت في السلطنة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، ومن أبرزهم نخله جهشان وإسكندر طراد (والد باترو طراد) وإسكندر عازار وجرجي دباس (والد شارل دباس). كانت تُدرّسُ فيها 8 لغات، وكانت تقامُ فيها المعارض والمسارح. وتخرّج من المدرسة بطريركان، غريغوريوس الرابع حداد وثيوذوسيوس السادس أبو رجيلي، وبعض كبار الصحافيين في مصر ولبنان ومنهم جبران أندراوس تويني والأخطل الصغير وجرجي سعد وجبران بطرس وجرجي زيدان. وعندما إشتعلَت الحربُ العالمية الأولى، لعبَت المدرسة دوراً بارزاً في إيواء المحتاجين جراءَ الحربِ والمجاعةِ والحصارِ. وإستمرَّ هذا النهجُ حتى سنة 1975، تاريخ بدء الحرب الأهلية اللبنانية. تعاقب عل إدارة المدرسة عدة مدراء، ابرزهم الأرشمندريت غريغوريوس الصليبي والآنسة فيلندريا كالوياروس.
في سنة 1975، سيطرَت بعضُ القوى المسلحة المحلية على مبنى المدرسة في الرميل، مما إضطرَّها للإنتقال الى مبنى آخر في الأشرفية، تابعت فيه رسالتَها لأن إرادة البقاء كانت هي الأقوى. وبعد انتهاء الحرب وزوال كل اشكالها، بدأت، في سنة 2000، أعمالُ الترميم، برعاية المطران إلياس (عوده)، لتعودَ المدرسةُ الى عرينها في الرميل، ذلك لأنَّ المدرسة ليست مرتبطة مكانياً بمبنى، بل هي رسالةٌ تعليميةٌ تنقَّلت في عدة مواقع حتى وصلَت الى موقعِها الحالي، مما يُظَهِّرُ فكرةَ أنّ تاريخَها هو نقطةُ انطلاقٍ وأرضيةٌ يُبنى عليها للتطلُّع لمستقبل العلم، فمن لا يعرف تاريخَه لا يستطيعُ العملَ على بناءِ مستقبلٍ أفضل. إنتهى الترميمُ في سنة 2021، وعادَت المدرسةُ الى مركزِها القديم في الرميل، مستعيدةً كلَّ نشاطِها وعزمِها. لكنّها تضرَّرت كثيراً في إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، وأعيدَ ترميمُها ثانيةً لتَكتسي رونقاً جديداً وتنطلقَ مجدَّداً في رسالتِها الأكاديمية العريقة.