كيف قطع سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم خطوات هذه المرحلة: كان جالساً ذات ليلة يفكِّر على جاري عادته، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ الليلُ}، وستره بظلامه {رَءَا كَوكَباً}: شاهد كوكباً منيراً يتألَّق في السماء فقال في نفسه متسائلاً. ترى هل هذا ربي الذي يمدُّني بالحياة؟. فلمَّا أفل الكوكب وغاب قال لا أحب الآفلين. فما دام هذا الكوكب قد أفل وغاب فلا يمكن أن يكون ربِّي الدائم عليّ فضله والمتتالي إمداده وخيره والذي يجب عليّ أن أحبَّه وتابع سيدنا إبراهيم تفكيره {فَلَمَّا رَءَا القَمَرَ بَازِغاً} مشرقاً بنوره على الكون عاودته الفكرة أيمكن أن يكون هذا القمر ربّه؟. وتساءل في نفسه {قَالَ هَذا رَبِيّ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِني رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}. والمُراد بقوله {مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}: أي التائهين عن الحق، وأنت ترى أنه أدرك في هذه الخطوة أنَّ هدايته إنَّما هي بيد ربه فهو وحده الفعَّال وبنوره يستبين الحق لطالب الحق وبإذنه يهتدي المهتدون. واستمر سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على تفكيره وواصل ليله بنهاره وكذلك شأن كل مشوق وحال كل صادق {فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغَةً} وقد عمَّ الأرض نورها {قَالَ هَذا رَبِي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ}. أدرك أن ربَّه ليس بالكوكب ولا القمر ولا الشمس فما يمكن لهذه الأجرام الآفلة على عظمتها أن تكون ربّاً، إذ الرب لا يغيب ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلّها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر. نعم لقد أدرك في هذه الخطوة أنَّ هذه كلها مخلوقات وأنَّ المسيِّر لها واحد أكبر منها جميعاً أعظم من الكواكب والقمر والشمس وسائر ما يشهده الإنسان ويراه. إنه رب عظيم لا يمكن أن يدركه بصر أو تراه عين إنه رب دائمي الإمداد عظيم القدرة إنه رب السموات والأرض الذي فطرهن وما فيهن على هذا النظام البديع. ولـمَّا استعظم ربَّه هذا الاستعظام اتجه بكل قلبه إليه {قَالَ يَا قَوْمِ إِني بَريء مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِني وَجَّهتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ}104. وهنالك وفي هذه اللحظة كشف الله له النقاب عن الحقيقة فشاهد عظمة هذا المسيّر لهذا الكون العظيم شهوداً نفسياً ورأى يد الإمداد بالتربية مبسوطة على كل مخلوق من مخلوقاته تعالى وعاين أنَّ قيامالسموات والأرض وسير جميع ما فيها من مخلوقات إنَّما هو بيد الله سبحانه وتعالى وإليه وحده تؤول أمور هذا الكون كله فلا يتحرك شيء إلاَّ بإذنه ولا يقع واقع إلاَّ بأمره وحده وهو المسيّر فلا إله غيره ولا مسيِّر سواه. نعم عقل سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذلك كله وأدركه فما كان منه إلاَّ أن استسلم بكلِّيته إلى الله تعالى ففوَّض أمره وألقى مقاليد نفسه إليه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمتُ لِربِّ العَالَمِينَ}105...
كيف قطع سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم خطوات هذه المرحلة:
كان جالساً ذات ليلة يفكِّر على جاري عادته، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ الليلُ}، وستره بظلامه {رَءَا كَوكَباً}: شاهد كوكباً منيراً يتألَّق في السماء فقال في نفسه متسائلاً. ترى هل هذا ربي الذي يمدُّني بالحياة؟.
فلمَّا أفل الكوكب وغاب قال لا أحب الآفلين.
فما دام هذا الكوكب قد أفل وغاب فلا يمكن أن يكون ربِّي الدائم عليّ فضله والمتتالي إمداده وخيره والذي يجب عليّ أن أحبَّه وتابع سيدنا إبراهيم تفكيره {فَلَمَّا رَءَا القَمَرَ بَازِغاً} مشرقاً بنوره على الكون عاودته الفكرة أيمكن أن يكون هذا القمر ربّه؟. وتساءل في نفسه {قَالَ هَذا رَبِيّ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِني رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}.
والمُراد بقوله {مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}: أي التائهين عن الحق، وأنت ترى أنه أدرك في هذه الخطوة أنَّ هدايته إنَّما هي بيد ربه فهو وحده الفعَّال وبنوره يستبين الحق لطالب الحق وبإذنه يهتدي المهتدون.
واستمر سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على تفكيره وواصل ليله بنهاره وكذلك شأن كل مشوق وحال كل صادق {فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغَةً} وقد عمَّ الأرض نورها {قَالَ هَذا رَبِي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ}. أدرك أن ربَّه ليس بالكوكب ولا القمر ولا الشمس فما يمكن لهذه الأجرام الآفلة على عظمتها أن تكون ربّاً، إذ الرب لا يغيب ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلّها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر.
نعم لقد أدرك في هذه الخطوة أنَّ هذه كلها مخلوقات وأنَّ المسيِّر لها واحد أكبر منها جميعاً أعظم من الكواكب والقمر والشمس وسائر ما يشهده الإنسان ويراه. إنه رب عظيم لا يمكن أن يدركه بصر أو تراه عين إنه رب دائمي الإمداد عظيم القدرة إنه رب السموات والأرض الذي فطرهن وما فيهن على هذا النظام البديع.
ولـمَّا استعظم ربَّه هذا الاستعظام اتجه بكل قلبه إليه {قَالَ يَا قَوْمِ إِني بَريء مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِني وَجَّهتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ}104. وهنالك وفي هذه اللحظة كشف الله له النقاب عن الحقيقة فشاهد عظمة هذا المسيّر لهذا الكون العظيم شهوداً نفسياً ورأى يد الإمداد بالتربية مبسوطة على كل مخلوق من مخلوقاته تعالى وعاين أنَّ قيامالسموات والأرض وسير جميع ما فيها من مخلوقات إنَّما هو بيد الله سبحانه وتعالى وإليه وحده تؤول أمور هذا الكون كله فلا يتحرك شيء إلاَّ بإذنه ولا يقع واقع إلاَّ بأمره وحده وهو المسيّر فلا إله غيره ولا مسيِّر سواه.
نعم عقل سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذلك كله وأدركه فما كان منه إلاَّ أن استسلم بكلِّيته إلى الله تعالى ففوَّض أمره وألقى مقاليد نفسه إليه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمتُ لِربِّ العَالَمِينَ}105...
مافهمت شي