التحكيم وجد في الشريعة الإسلامية في قضايا عديدة ففي القرآن الكريم ذكر في اختلاف الزوجين، وطريقة أن يختار الزوج حكما من أهله والزوجة حكما من أهلها شكل من أشكال التحكيم ربما وافق شكله الحالي فربما اختار المحكمان طرفا ثالثا له وجاهة ومكانة مجتمعية -ولا يستبعد ذلك-، وأيضا ما حدث بين علي ومعاوية فقد حكموا الرجال فختار علي أبا موسى الأشعري واختار معاوية عمرو بن العاص وكان بينهم من الصحابة من يعد طرفا ثالثا ولا شك أن هذه قضايا لا دخل لها بالتحكيم بشكله اليوم، فهو ينظر اليوم للقضايا التجارية والاقتصادية على وجه الخصوص تقوم بتنظيمه الهيئات والمراكز القانونية، وقد ذكر أيضا ابن العربي في أحكام القرآن التحكيم منذ تسعة قرون وهو سبقٌ للفقه الإسلامي، قال: إن الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم، بيد أن الاسترسال على التحكيم خرمٌ لقاعدة الولاية ومؤدٍ إلى تهارج الناس فلا بد من نصب فاصل، فأمر الشرع بنصب الوالي لحسم قاعدة الهرج وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم مشقة الترافع لتتم المصلحتان وتحصل الفائدتان. وهل يجوز أن يحكم إلى شريعة غير الشريعة الإسلامية إذا كان أحد طرفا التحكيم غير مسلم؟! قال العلماء لا يجوز لأن الله عزوجل يقول ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وقال ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، فإذا اتفق الطرفان أن يحتكما إلى جهة قضائية أو تحكيمية تكون في لندن أو في باريس وكان أحدهما مسلما فعلى المسلم أن يشترط أحكام الشريعة الإسلامية شرطا لحل النزاع، وقد ذكر القاضي الخنيين أن أحد البنوك الإسلامية وشركة أدوية اختلفا وكان الاتفاق بينهما أن يكون التحاكم إلى جهة قضائية في لندن وكان من ضمن الشروط أن لا يخالف القضاء الشريعة الإسلامية وكان البنك متمسكا بهذا الشرط فلم تقبل الجهة القضائية أو المحكمة في لندن معللةً أن هذا يقتضي تطبيق نظامين في آنٍ واحد وهو غير صحيح، وهذا هو المقرر في الفقه الإسلامية وكذلك الاتجاهات القانونية تذهب إليه. إذاً يجب على المسلم أن يجعل الشريعة الإسلامية هي من تحكمه ولو كان أحد المحكمين نصراني وجب عليه الحكم بما يشترط المسلم من جعل أحكام الشريعة هي من تحل النزاع والأصل أن يكون مسلما، وحديث لا ولاية لكافر على مسلم هي يقصد بها الولاية العامة فلا ريب أنها لا تجوز شرعا وقد تحدث كونا، ويشدد في الولاية العامة فلا يكون الكافر واليا على المسلم لأن المسلم يكون هنا في ذلة والله يقول ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنيين سبيلا) ويقول( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنيين...)، لكن إذا كلن هناك اضطرار لأسباب مكانية وزمانية كان التحكيم بشرط عدم المخالفة فإذا لم يحدث هذا وخاف المسلم على ماله من الضياع ولا سبيل لتطبيق أحكام الشريعة جاز له تطبيق ذلك القانون الوضعي بما لا يخالف شريعته الإسلامية فالحكم إذا كان يتفق موضوعا مع قاعدة شرعية أخذ به لعدم ضياع ماله. لكن هل التحكيم ولاية مستقلة؟! نعم ولاية مستقلة، فبعد اختيار الأطراف للمحكمين لتحكيم فلا يجوز للأطراف التدخل أو التأثير على المحكَم ولا سلطان عليهم إلا الشريعة الإسلامية إن كانا في دولة إسلامية ثم الأنظمة المرعية، أما فكرة كيف يكون وليا والذي اختاره أحد أطراف النزاع، فالفكرة فكرة اتفاق تتم بين أطراف النزاع بعيدا عن المحكمين فالأطراف ربما اتفقا أن تحل قضيتهما أمام القضاء الفلاني، فاتفاق الأطراف على أن يكون حل النزاع بالتحكيم لا تؤثر على مقصود التحكيم، فلو اتفق الأطراف على هيئة تحكيم ولم يختارا المحكمين اختارت الهيئة لكل طرف محكم فيختارا الطرف الثالث، فتكون الولاية على المحكَمين للهيئة بمفهوم من قال كيف يكون المحكَم وليا ومن اختاره الطرف المحكِم!! وهذا لا يتفق مع مقصود التحكيم والغرض منه، فبمجرد أن يختار المحكِمُ المحكَمَ لا يجوز للمحكِم أن يؤثر أو يتدخل في المحكَم وليس له أن يرده إلا لما هو منصوص عليه في قانون المرافعات حتى لا يتلاعب بالتحكيم، وكذلك المحكَم لا يجوز له أن يكون مندوبا للمحكِم أو يدافع عن أرآء المحكِم فإذا كان ذلك كذلك كان المحكَم محميا وليس محكَما، فالمحكَم في مقام القاضي لا يجوز له أن يميل إلى ذات اليمين وإلى ذات الشمال، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وتلك يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا. وأذكرُ قصة ذكرها القاضي عبدالله الخنيين في هذا الموضوع أيضاً أن محكم الطرف الأول يقول عندنا دفوع وعندنا مستندات وعندنا كيت وكيت فيرد محكم الطرف الثاني ونحن عندنا دفوع وعندنا مستندات وكيت وكيت، فقال القاضي معلقا على هذا التصرف من المحكَمين هذين ما صارا محكمين بل محاميين ومن اختاراه ليكون وترا هو المحكم، وذكر أيضا أن بعض المحكمين رفض التوقيع على قرار أو حكم التحكيم عندما لم يصبح في صالح من يمثله، فلجنة التحكيم إذا اختيرت أصبحت ولاية مستقلة لا يؤثر عليها أحد ولا سلطان عليها من أحد إلا الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية.
جزاكم الله خيرا، لو تتكرموا علينا بهذه المحاضرة إذا كانت مدونة
محاضرة قيمة
شكرا فضيلة الدكتور
التحكيم وجد في الشريعة الإسلامية في قضايا عديدة ففي القرآن الكريم ذكر في اختلاف الزوجين، وطريقة أن يختار الزوج حكما من أهله والزوجة حكما من أهلها شكل من أشكال التحكيم ربما وافق شكله الحالي فربما اختار المحكمان طرفا ثالثا له وجاهة ومكانة مجتمعية -ولا يستبعد ذلك-، وأيضا ما حدث بين علي ومعاوية فقد حكموا الرجال فختار علي أبا موسى الأشعري واختار معاوية عمرو بن العاص وكان بينهم من الصحابة من يعد طرفا ثالثا ولا شك أن هذه قضايا لا دخل لها بالتحكيم بشكله اليوم، فهو ينظر اليوم للقضايا التجارية والاقتصادية على وجه الخصوص تقوم بتنظيمه الهيئات والمراكز القانونية، وقد ذكر أيضا ابن العربي في أحكام القرآن التحكيم منذ تسعة قرون وهو سبقٌ للفقه الإسلامي، قال: إن الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم، بيد أن الاسترسال على التحكيم خرمٌ لقاعدة الولاية ومؤدٍ إلى تهارج الناس فلا بد من نصب فاصل، فأمر الشرع بنصب الوالي لحسم قاعدة الهرج وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم مشقة الترافع لتتم المصلحتان وتحصل الفائدتان.
وهل يجوز أن يحكم إلى شريعة غير الشريعة الإسلامية إذا كان أحد طرفا التحكيم غير مسلم؟! قال العلماء لا يجوز لأن الله عزوجل يقول ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وقال ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، فإذا اتفق الطرفان أن يحتكما إلى جهة قضائية أو تحكيمية تكون في لندن أو في باريس وكان أحدهما مسلما فعلى المسلم أن يشترط أحكام الشريعة الإسلامية شرطا لحل النزاع، وقد ذكر القاضي الخنيين أن أحد البنوك الإسلامية وشركة أدوية اختلفا وكان الاتفاق بينهما أن يكون التحاكم إلى جهة قضائية في لندن وكان من ضمن الشروط أن لا يخالف القضاء الشريعة الإسلامية وكان البنك متمسكا بهذا الشرط فلم تقبل الجهة القضائية أو المحكمة في لندن معللةً أن هذا يقتضي تطبيق نظامين في آنٍ واحد وهو غير صحيح، وهذا هو المقرر في الفقه الإسلامية وكذلك الاتجاهات القانونية تذهب إليه.
إذاً يجب على المسلم أن يجعل الشريعة الإسلامية هي من تحكمه ولو كان أحد المحكمين نصراني وجب عليه الحكم بما يشترط المسلم من جعل أحكام الشريعة هي من تحل النزاع والأصل أن يكون مسلما، وحديث لا ولاية لكافر على مسلم هي يقصد بها الولاية العامة فلا ريب أنها لا تجوز شرعا وقد تحدث كونا، ويشدد في الولاية العامة فلا يكون الكافر واليا على المسلم لأن المسلم يكون هنا في ذلة والله يقول ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنيين سبيلا) ويقول( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنيين...)، لكن إذا كلن هناك اضطرار لأسباب مكانية وزمانية كان التحكيم بشرط عدم المخالفة فإذا لم يحدث هذا وخاف المسلم على ماله من الضياع ولا سبيل لتطبيق أحكام الشريعة جاز له تطبيق ذلك القانون الوضعي بما لا يخالف شريعته الإسلامية فالحكم إذا كان يتفق موضوعا مع قاعدة شرعية أخذ به لعدم ضياع ماله.
لكن هل التحكيم ولاية مستقلة؟!
نعم ولاية مستقلة، فبعد اختيار الأطراف للمحكمين لتحكيم فلا يجوز للأطراف التدخل أو التأثير على المحكَم ولا سلطان عليهم إلا الشريعة الإسلامية إن كانا في دولة إسلامية ثم الأنظمة المرعية، أما فكرة كيف يكون وليا والذي اختاره أحد أطراف النزاع، فالفكرة فكرة اتفاق تتم بين أطراف النزاع بعيدا عن المحكمين فالأطراف ربما اتفقا أن تحل قضيتهما أمام القضاء الفلاني، فاتفاق الأطراف على أن يكون حل النزاع بالتحكيم لا تؤثر على مقصود التحكيم، فلو اتفق الأطراف على هيئة تحكيم ولم يختارا المحكمين اختارت الهيئة لكل طرف محكم فيختارا الطرف الثالث، فتكون الولاية على المحكَمين للهيئة بمفهوم من قال كيف يكون المحكَم وليا ومن اختاره الطرف المحكِم!!
وهذا لا يتفق مع مقصود التحكيم والغرض منه، فبمجرد أن يختار المحكِمُ المحكَمَ لا يجوز للمحكِم أن يؤثر أو يتدخل في المحكَم وليس له أن يرده إلا لما هو منصوص عليه في قانون المرافعات حتى لا يتلاعب بالتحكيم، وكذلك المحكَم لا يجوز له أن يكون مندوبا للمحكِم أو يدافع عن أرآء المحكِم فإذا كان ذلك كذلك كان المحكَم محميا وليس محكَما، فالمحكَم في مقام القاضي لا يجوز له أن يميل إلى ذات اليمين وإلى ذات الشمال، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وتلك يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا.
وأذكرُ قصة ذكرها القاضي عبدالله الخنيين في هذا الموضوع أيضاً أن محكم الطرف الأول يقول عندنا دفوع وعندنا مستندات وعندنا كيت وكيت فيرد محكم الطرف الثاني ونحن عندنا دفوع وعندنا مستندات وكيت وكيت، فقال القاضي معلقا على هذا التصرف من المحكَمين هذين ما صارا محكمين بل محاميين ومن اختاراه ليكون وترا هو المحكم، وذكر أيضا أن بعض المحكمين رفض التوقيع على قرار أو حكم التحكيم عندما لم يصبح في صالح من يمثله، فلجنة التحكيم إذا اختيرت أصبحت ولاية مستقلة لا يؤثر عليها أحد ولا سلطان عليها من أحد إلا الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية.